وداعاً أيها الحزن

أزاحتْ رداءها المدرسي عن جسدها المتعب، واحتضنتْ وسادتها.. رفيقة أَرَقِها في ليالٍ كان وجهُ فيها زائرها الوحيد. وراحتْ تسترجع نظرات رفيقاتها.. ووشوشاتهم حين تركَ يدها مودعاً على باب المدرسة. تحاول استعادة مشهد الذهول الذي ارتسم على محيا مُدرّسِها حين وجدَ على صفحة كراسها شَعرٌ عبثي وعينان زرقاوان عوضاً عن غابات البرازيل ونهر الأمازون.

لم تكترث كثيراً بتقطيبة حاجبي المُدرس، فقد لمحَ في عينيها سهادها.. وقرأَ ما بين الهدب والأحداق ما عجزت عن البوح به الشفاه والكلمات، وانتقى لعتابها تعابير تحمل معاني الشفقة أكثر مما تحمله من معاني التأنيب. لكن همسات وصلت إلى مسامعها دفعتها إلى حافة الجنون:
 مسكينة ريما.. إنه يخدعها..

دفنت رأسها في وسادتها.. مرحباً أيها الحزن.. وانسلتْ من مقلتيها دمعات حارقة ألهبتْ وجنتيها. أتراه يخدعني؟ هذا الذي يخترق الخافق.. ويحتل الشرايين.. الذي يميتني ويحييني، ثم يميتني ويحييني في كل ثانية من ثواني الليل والنهار.. مَنْ يرتاح بين ضلوعي.. ويشاركني شهيقي وزفيري، أتراه يخدعني؟

هرعتْ إلى مرآتها.. فوَجدَته هناك.. وأخرجتْ من لفافة مخبأة بعناية في ثنايا فراشها، ورقة معطرة كتب عليها: إلى ريما حبيبتي الأبدية.. بكتبلك عا ورقة حتى ما قول.. ما بقدر قول.
يا ريت فينا نلتقي.. وتغفي على شفافي تضيعي وتغرقي.. وهاالخصر هاالمعجون من زنبق نقي.. يتململ ويشهق وتلوي وتشهقي.. تموتي عازندي ألف مرة وتخلقي.
أعادت قراءة مناجاته مرة بعد مرة.. لثمت حروفها واحتضنتها، وودعت حزنها، وسافرت معه إلى عالم بعيد.. بعيد.

سمعت الجيران بيقولو
يمكن يكون عم يضحك عليها
وعينك تشوف الليل بطولو
مانشفتْ الدمعة بعينيها
بعدها بعمر الهوى صغيري
وقلبها بالحب طفلة صغيري
مش عارفة في بالدني غيري
وحَسّتْ بصدرا شي عم بيطير
جَرَبتْ تغفا عا دمعاتا
لا غفيتْ ولا عرفت الأحلام
وتذكرتْ حكيات رفقاتا
أنو اللي بيحب ما بينام
ياريت فيها تحملك وتروح
عا بلاد ما تقشع حدا فيها
وهونيك شو بدا باشيا تبوح
وشو عندها حكايات تحكيها

*- ثرثار ينصح القراء الأحباء بالاستماع إلى أغنية "غيره" لملاكنا فيروز.


ثرثار، زاوية "كلمتين وبس"، (وداعاً أيها الحزن)

خاص: مرصد نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon